عن مقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية

بعد إعلان التلفزيون الحكومي و النائب العام في المملكة العربية السعودية الشقيقة منذ سويعات عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي رحمه الله إثر شجار مع مواطنين سعوديين داخل القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية، وحيث إن هذه الجريمة تحولت إلى حديث الساعة حول العالم لنحو ثلاثة أسابيع الآن، فأنا أعتقد أن من المهم تناول الموضوع من زاوية توعية المهندسين المصريين إزاء الأحداث الهامة 



أولا:
أسئلة منطقية بناء على بيان النائب العام عن وفاة خاشقجي داخل القنصلية إثر شجار مع مواطنين:

  • أين كانت جثة جمال خاشقجي منذ مقتله إثر المشاجرة وحتى الآن؟
  • في 5 أكتوبر لماذا أعلن سمو ولي العهد لمجلة بلومبيرج أن جمال خاشقجي ليس في القنصلية السعودية وأنه، حسب فهمه كما قال، غادرها بعد أن مكث بها بضع دقائق أو ساعة؟
  • في 9 أكتوبر لماذا أصدر سمو الأمير خالد سفير السعودية في واشنطن، ونجل الملك و شقيق ولي العهد، بيانا رسميا بأن خاشقجي صديقه وبأنه مفقود إثر مغادرته للقنصلية؟
  • بناء على بيان النائب العام، أليس مفترضا أن تكون الإقالات من نصيب وزارة الخارجية سواء الوزير عادل الجبير أو السفير السعودي في تركيا أو القنصل السعودي في اسطنبول؟ أليس مفترضا أن موظفي وزارة الخارجية هم المقصرون بعدم تدخلهم لمنع تطور الشجار داخل القنصلية إلى حادث وفاة؟ وأليسوا مقصرين بعدم إبلاغ وزارة الخارجية و الحكومة السعودية بما حصل؟ والأهم: أليسوا كذلك مقصرين بعدم إخطار السلطات التركية أو حتى أسرته بالوفاة لاستخراج شهادة رسمية؟



ثانيا: حقيقة - المشكلة مش في آل سعود الكرام أو في الأمير محمد بن سلمان: 
  • تمهيد: بعيدا عن احتمال براءة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود على الأقل من جريمة قتل جمال خاشقجي، فإن القرآن الكريم يخبرنا بأن الإنسان ظلوم جهول، وبطبيعة الحال فإن الدين يهذب الإنسان من حيث تحذير النبي الكريم من السلطة و الحكم وبأنهما مسؤولية كبيرة عظيمة خطيرة، ومن ذلك حيث الإسلام على الشورى و إنكار الذات و التواضع و الأمر الإلهي الصريح الواضح "إن الله يأمر بالعدل و الإحسان" لدرجة أنه حين اشتكى صحابي للنبي صلى الله عليه وسلم أثناء تنظيم صفوف المجاهدين قبيل معركة حربية بعصا تحملها يداه الشريفتان، حين اشتكى الصحابي سواد بن غزية (وفي رواية أسيد من حضير) من تألمه من العصا فإن أحدا لم ينهره بحجة أننا في حالة حرب مثلا، وإنما فورا كشف النبي عن بطنه آمرا إياه بأن يقتص منه وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة على مرأى و مسمع من جميع الجنود و القادة
  •  حقيقة: إنّنا نقرأ و نسمع عن مدراء شركات صغيرة يرتكبون موبقات في حق موظفيهم و مرؤوسيهم رغم أن سلطاتهم لا تقارن بسلطات أمير أو حاكم - لماذا؟ لأن السلطة تغير الإنسان و تنفخ في النفس و تملؤها بالغرور و الاندفاع و السطوة ما لم يحرص المرء على تزكية النفس و تجديد النية و إخلاص العمل و التضرع إلى الله
  • خلاصة: لو أن أسرة آل فلان أو آل علان أوكل إليها الانفراد بقيادة دولة ذات ثروة مثل المملكة العربية السعودية حرسها الله فإنّ قضية جمال خاشقجي كانت سوف تتكرر بحذافيرها، لماذا؟ لأن العلة أو المشكلة ليست في قبيلة آل سعود أو في شخص الملك سلمان أو نجله سمو ولي العهد حفظهما الله، وإنما العلة و المشكلة في الاستئثار بالسلطة و مقاليد الحكم ولنا في بدلات نقابة المهندسين أو شجارات اتحاد المهن الطبية عظة و عبرة
إنني شخصيا أشفق على أميرات و أمراء الخليج من الضغوطات العصبية و النفسية عليهم بسبب الصراعات الطبيعية، أكرر: الطبيعية، على السلطة و المال و النفوذ و ما وراء ذلك من ملذات و شهوات - فهذه أمور جبلت النفس البشرية على حبها و التطلع إليها و الشغف بها و اللهاث وراءها، والحل الوحيد لحماية الجميع نفسيا و سلوكيا و صحيا و أمنيا هو العودة للهدي النبوي و تحقيق العدل و إيثار الآخرين و تقوى الله و التوبة له قبل أن يلقى المرء ربه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم حيث لا فرق بين أمير و سفير و خفير و غفير.




ثالثا: كلام جرايد:
إن وظيفة الإعلام هي مخاطبة العقل، وهي وظيفة أخطر من وظيفة المهندس الذي يتعامل مع أجهزة و منشآت، و الطبيب الذي يتعامل مع جسد و أعضاء، و القاضي الذي يتعامل مع أوراق و جنايات - خصوصا في ظل تقاعس خطباء الجمعة عن أداء هذه الوظيفة أسبوعيا

يؤلمني جدا غياب الوعي لدى المهندسين خصوصا و المواطنين عموما بآليات و حقائق الإعلام و طريقة عمله

إنّ أحد أسباب ما آلت إليه أوضاعنا كعرب و مسلمين هو تفشي الجهل وسط المواطنين وخصوصا الجهل بآليات الإعلام و الصحافة

ونتيجة لذلك، فإن المسيطرين على وسائل الإعلام هم الذين يمكنهم التحكم بسهولة في الواقع السياسي و الإعلامي بل وحتى الواقع المجتمعي و الأسري - وأعني بالمسيطرين مش بس أنظمة الحكم بس كمان المعارضة الانتهازية و الدول الأجنبية

وبناء عليه، فإن محاولات الإصلاح هنا و هناك تذهب سريعا أدراج الرياح في أحسن الأحوال هذا إن لم يتم توظيفها سياسيا لصالح أجندات و جهات أخرى هي أبعد ما تكون عن الإصلاح، أو للزجّ بالمصلحين وراء القضبان (أو إلى القنصليات :( )، وهذه ليست مشكلة لمن أخلص النية لله ونرجو أن يكون خاشقجي منهم، ولكنّها مشكلة من حيث تشويه مفاهيم الإصلاح لدى عامة المواطنين

احنا محتاجين نفهم كويس أوي إن مش كل حاجة يتقال عليها "كلام جرايد"
بمعنى:
فيه حاجة اسمها بيان رسمي صادر عن جهة ما
البيان ده هو أقوى مستند رسمي وبالتالي فحواه مش كلام جرايد خالص
البيان بيكون وثيقة رسمية مكتوبة بتصدرها جهة زي الديوان الملكي أو وزارة الخارجية أو السفارة، أو شخص ذو منصب رسمي زي السفير أو الوزير أو الرئيس

ثم عندنا درجة تانية اسمها تصريح صحفي لشخص ذو منصب رسمي أو لمتحدث رسمي باسم هذا الشخص أو باسم تلك الجهة


وهنا توضيح مهم:
في أي شركة متوسطة أو كبيرة بيكون فيه موظف أو إدارة للعلاقات العامة شغلتهم متابعة ما يتم نشره عن الشركة في الصحافة و الإعلام و برامج التوك شو و رصد كل ده للرد و التوضيح إن لزم الأمر - وده ينطبق على الشخصيات الرسمية و الوزارات الحكومية و منهم بطبيعة الحال شخصية مثل ولي العهد في المملكة العربية السعودية
وعلى فكرة موضوع الإعلام و التصريحات الإعلامية و البيانات الصحفية ده شيء مهم لأي حاكم أو قائد من قديم الزمن و اقرءوا الحديث ده وشوفوا ازاي الرسول صلى الله عليه و سلم عقد مؤتمر صحفي لإعلان حصول قبيلة على حقها من موظف عام اعتدى على أحد أفرادها - فعن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة عاملاً للصدقة، فنازعه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم، فجرح رأسه

فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم (أي قبيلته)، فقالوا:
القصاص يا رسول الله!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكم كذا وكذا) فلم يرضوا
فقال: (لكم كذا وكذا) فلم يرضوا، فقال: (لكم كذا وكذا) فرضوا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم) فقالوا: نعم
فخطب رسول الله
فقال صلى الله عليه وسلم: (إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم؟) قالوا: لا
فهمَّ المهاجرون بهم
فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم، فكفوا
ثم دعاهم فزادهم، فقال: (أرضيتم؟) فقالوا: نعم
قال: (إني خاطب على الناس، ومخبرهم برضاكم) قالوا: نعم
فخطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أرضيتم؟) قالوا: نعم
رواه أبو داود وصححه الألباني.


رابعا: إعلامنا إعدامنا:
شخصيا أتحفظ على النشر العلني لدعوات الإصلاح أو نصائح التغيير لأسباب منها أنه يسهل توظيفها في الاتجاه الآخر من آخرين انتهازيين و ما أكثرهم ضد من تنصحه أو ترجو له الخير، فتكون النتيجة عكسية ليس فقد ضد شخص الناصح وإنما ضد فكرة الإصلاح و نصيحة التغيير

ما أسهل أن يخرج شخص في وسائل الإعلام أو تويتر ليقول إن هذا الفعل الفلاني من الأمير الفلاني أو الوزير العلاني محرم و مؤثم و لا يصح و لا يجوز و يؤدي إلى مضار كذا و وكذا - ولكن ايه النتيجة؟
أولا: آخرين في الداخل و الخارج يمكنهم بسهولة توظيف هذا التصريح ضد الأمير أو الوزير لابتزازه و ابتزاز الدولة نفسها

ثانيا: الإعلام يمكنه نشر هذا التصريح أو التغريدة وسط عوام الناس فتكون تهييجا لهم و فسادا في الأرض من حيث أريد الإصلاح

ثالثا: هذا الأمير أو الوزير هو بشر من لحم و دم - صحيح أنه مأمور شرعا بالاستماع للنصيحة و تفهم أسبابها و استيعاب قائلها، ولكنه إنسان ذو سلطة إيمانه يزيد و ينقص و حوله بطانة الله بها عليم - فمن الطبيعي جدا أن تأخذه العزة بالإثم ضد القائل إلى درجة الجريمة التي جرت داخل القنصلية السعودية في اسطنبول ضد جمال خاشقجي رحمه الله - وهذا قطعا ليس مبررا للجريمة وإنما لفهم أبعاد الصورة الكاملة للموقف